عقول غاضبة: الجذور الفكرية العميقة لحركة ماغا وهيكلة
اليمين الأمريكي الجديد
أفكار الثقافة وألآدب
في المشهد السياسي
المعاصر، لطالما نُظر إلى حركة "ماغا" (MAGA) التي يقودها دونالد ترمب
على أنها ظاهرة عاطفية، صاخبة، وشعبوية تفتقر إلى العمق الفكري. ومع ذلك، تأتي
الباحثة والمنظرة السياسية لورا كيه فيلد في كتابها الأحدث "عقول غاضبة: تكوين
يمين (ماغا) الجديد" (Angry Minds: The Making of the
New MAGA Right) لتكسر هذا الانطباع السائد، مؤكدة أن ما
نراه ليس مجرد غضب عابر، بل هو نتاج عمل دؤوب لنخبة من المثقفين والمنظرين الذين
أعادوا صياغة مفهوم "المحافظة" في أمريكا.
- في هذا المقال، نستعرض
الجذور الفكرية لهذه الحركة، وكيف تحولت الأفكار "الهامشية" إلى تيار
رئيسي يتحكم في بوصلة القوة داخل البيت الأبيض وفي السياسة الدولية.
 |
| عقول غاضبة: الجذور الفكرية العميقة لحركة ماغا وهيكلة اليمين الأمريكي الجديد |
عقول غاضبة: الجذور الفكرية العميقة لحركة ماغا وهيكلة اليمين الأمريكي الجديد
1. هل حركة ماغا ظاهرة بلا فكر؟
من السهل اختزال "ماغا"
في شعارات انتخابية أو تغريدات مثيرة للجدل، لكن لورا فيلد تجادل بأن "ماغا"
في جوهرها هي منظومة قيم وسلوك بشري تستند إلى أسس فكرية وضعها "مفكرون
راديكاليون". هؤلاء المفكرون لم يكتفوا بدعم ترمب كشخص، بل اتخذوا منه وسيلة
لهدم النظام الليبرالي التقليدي وبناء بديل يميني أكثر سلطوية وانكفاءً.
إن البحث في "عقول
ماغا" يكشف عن جيل جديد من الأكاديميين والباحثين الذين سئموا من "المحافظة
الكلاسيكية" وقرروا خوض معركة ثقافية وفكرية شاملة لتغيير وجه أمريكا.
2. الانشقاق الكبير المحافظة
التقليدية ضد اليمين الجديد
لعقود من الزمن، كانت "المحافظة
الأمريكية" ترتكز على أعمدة واضحة:
- سيادة القانون.
- السوق الحرة والحرية الاقتصادية.
- الحكومة المحدودة.
- النزعة الدولية (قيادة أمريكا للعالم الحر).
لكن
"اليمين الجديد" الذي تشكل في كنف ظاهرة ترمب يرى أن هذه المبادئ لم تعد
كافية لحماية الهوية الأمريكية. وبحسب "عقول غاضبة"، فإن هذا التيار
الجديد يتميز بخصائص مناقضة تماماً:
- تقديم السلطة على القانون:
الإيمان بضرورة استخدام أدوات الدولة لفرض الأجندة
الثقافية.
- العداء للعولمة:
استبدال السوق الحر بنزعة حمائية وتدخلية.
- الوطنية الانكفائية:
التخلي عن التحالفات التقليدية والتركيز على "أمريكا
أولاً" بشكل صدامي.
3. الركائز الثلاث لـ عقول ماغا الفكرية
تصنف لورا فيلد المفكرين
الذين يشكلون العمود الفقري لحركة "ماغا" إلى ثلاث فئات رئيسية، لكل
منها دورها في صياغة الأيديولوجية الحالية:
أولاً الكليرمونتيون (The Claremontists)
وهم المرتبطون بـ "معهد
كليرمونت". هؤلاء المفكرون يتبنون قراءة مقدسة لمرحلة تأسيس الولايات المتحدة.
يجادلون بأن النخبة الليبرالية والبيروقراطية (الدولة العميقة) قد دمرت الدستور
الأصلي، وأن هناك حاجة لشخصية "قوية" (مثل ترمب) لاستعادة المبادئ
التأسيسية عبر تفكيك الجهاز الإداري للدولة.
ثانياً ما بعد
الليبراليين (Post-Liberals)
هذا التيار هو الأكثر
خطورة من الناحية الفكرية على الديمقراطية التقليدية. يرى منظروه، مثل باتريك دينين، أن الليبرالية نفسها (بتركيزها على الحرية الفردية
المطلقة) هي سبب التحلل الاجتماعي. يدعو هؤلاء إلى تقييد الحريات الفردية لصالح "الصالح
العام" (Common
Good) المستمد من قيم دينية وأخلاقية صارمة، مما يجعلهم
أقرب إلى الأنظمة السلطوية المحافظة.
ثالثاً المحافظون
الوطنيون والقوميون
يركز هذا الجناح على "الدولة
القومية المتجانسة". يرفضون التعددية الثقافية ويرون أن قوة أمريكا تكمن في
هويتها المسيحية والوطنية الموحدة. هؤلاء هم الذين يوفرون الغطاء الفكري لسياسات
الهجرة المتشددة والخطاب القومي الصارم.
4. ظل ليو شتراوس السلاح
الفكري السري
تتوقف فيلد طويلاً عند
تأثير الفيلسوف
ليو شتراوس على هذا الجيل. شتراوس، الذي ركز على قراءة "المعاني السرية" في
النصوص الكلاسيكية، استُخدمت أفكاره من قبل تلاميذ اليمين الجديد كـ "سلاح".
بدلاً من استخدام فلسفة
شتراوس لتعزيز الاعتدال والديمقراطية، استخدمها مفكرو "ماغا" لتعزيز
التفكير التآمري ورفض "النسبية الأخلاقية". لقد خلقوا لغة فكرية تبرر
النخبويتهم وتعاديهم للتعددية، معتبرين أنفسهم الحراس الحقيقيين للحقيقة في وجه "الزيف
الليبرالي".
5. من الهامش إلى المتن كيف
أصبح الأهداب هم البساط؟
أحد أعمق التحليلات في
كتاب "عقول غاضبة" هو وصف عملية انتقال الأفكار المتطرفة من هامش
المجتمع الأكاديمي والإنترنت إلى قلب السلطة.
تستخدم المؤلفة عبارة بليغة: "الأهداب أصبحت هي
البساط".
- الأفكار التي كانت تُعتبر "هواجس" لأساتذة
جامعات متزمتين أو مدونين عنصريين على الإنترنت، أصبحت الآن هي التي ترسم
السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا.
- النزعات الذكورية المتطرفة، وكراهية المؤسسات
الدولية، والتشكيك في العمليات الديمقراطية، لم تعد مجرد صرخات في الفراغ، بل
تحولت إلى تشريعات وسياسات تنفيذية.
6. تداعيات العقول الغاضبة على مستقبل العالم
إن خطورة هذا "اليمين
الجديد" تكمن في أنه يوفر لترمب (ولأي زعيم شعبوي قادم) "الدرع الفكري"
اللازم لتبرير تحطيم الأعراف الدولية.
- في السياسة الخارجية:
نرى ميلاً للتعامل مع الحلفاء كخصوم تجاريين.
- في الداخل الأمريكي:
نرى محاولة لإعادة صياغة القضاء والتعليم وفق منظور
أيديولوجي ضيق يرفض التنوع.
لقد
نجح هؤلاء المفكرون في تحويل "الغضب الشعبي" إلى "مشروع سياسي"
متكامل الأركان، وهو ما يجعل مواجهة حركة "ماغا" أمراً لا يقتصر على
الصناديق الانتخابية فحسب، بل يتطلب معركة فكرية لاستعادة قيم الليبرالية
الكلاسيكية والاعتدال.
خاتمة هل يمكن العودة إلى
المحافظة التقليدية؟
كتاب لورا كيه فيلد "عقول
غاضبة" هو جرس إنذار. يخبرنا أن حركة "ماغا" ليست سحابة صيف عابرة،
بل هي بناء فكري تم تشييده بعناية على مدار عقد من الزمان. إن الفهم العميق لهذه
الجذور هو الخطوة الأولى لأي محاولة جادة لإنقاذ الديمقراطية الليبرالية من
الانزلاق نحو السلطوية القومية.
- بينما يستعد العالم
لتعاملات جديدة مع الولايات المتحدة، يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن التيار المحافظ
التقليدي من استعادة روحه، أم أن "العقول الغاضبة" قد أحكمت قبضتها
بالفعل على مستقبل القوة العظمى الوحيدة في العالم؟